الأحد، 12 أبريل 2020

رمضان شهر البينات (احذر)


۞البينة التاسعة عشر۞

۩۞۩¤═۞═¤۩۞۩

بسم الله الرحمن الرحيم

۞  يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ۞

احذر النظرة السطحية للأمور .. واحذر أن تكون على هامش الحياة ..

فهذه الآية جائت في معرض وبداية سورة الروم حين نبأ الله تعالى بغلبة الروم بعد بضع سنين

﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾

۞ الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦﴾ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴿٧﴾ ۞ 

الله جل في علاه يتحدى أولئك العرب المشركين الذي فرحوا بنصر المجوس من الفرس على أهل الكتاب من الروم .. وقال أن الروم ستغلب فارس خلال بضع سنوات وقد كان

ويتضح من السياق .. أن أهل الشرك يؤازر بعضهم بعضا حتى معنويا .. أهل الباطل يفرح بعضهم لبعض ولو كانوا على غير اتصال أو منفعة متبادلة .. فقط يحب بعضهم لبعض أن ينتصر على أهل الإيمان كرها في الدين ليس إلا .. عفانا الله وإياكم من تلك النفوس العفنة

كما يتضح الأمر الجلي من الله بوجوب التسليم التام لمراده وفعله في الكون ۞ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۞  .. مهما علت فئة على أخرى .. مؤمنة كانت أو كافرة .. صالحة أو طالحة .. هناك حكمة لا يعلمها إلا الله .. فلله الأمر من قبل ومن بعد .. وربك يخلق ما يشاء ويختار .. ولا علاقة في حكمه بأحكامه التي شرع وسن من جهاد ودفع وطلب .. فذلك أمر قد كلف به .. لكن النتائج له وحده ينصر من يشاء .. ويؤخر من يشاء .. سبحانه

ولكن .. ما نحن بصدده وإن كان الحديث في هذه الآيات السبع الأول كثير كثير .. ولكننا بصدد الوقوف عند إحداها حذرا واحترازا

۞ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ۞

فالله قد وصف أناسا من خلقه وهم المشركون والمفسدون أن من صفاتهم أنهم لا علم لهم بالآخرة ولا بالبحث عن الحكمة فيما وراء الأمور

هم لهم الدنيا .. وقد يتفوقون فيها .. يعلمون بعضا من علومها الظاهرة .. ويا عجب .. علومها الظاهرة .. التي يمكن لأي شخص كان أن يحصلها بجهد يسير .. فهي علوم ظاهرة ..

لكنه سبحانه أنكر عليهم غفلتهم عن الآخرة وعلوم الآخرة وسر الارتباط بالله الحكيم في كافة شئون هذا الكون وما يحدث فيه وما يدلل من خلاله على وحدانية الله العلي القدير وعظيم شأنه ووعظمة ما خلق وسوى وأبدع .. وما يوصل بالضرورة للدار الآخرة

وهو قد نعتهم بالغفلة .. وكأن من المفترض أن هذا أيضا من العلوم الظاهرة عن الآخرة وعن وحدانية الله غير أنهم غفلوا عنها ..

فكن أنت أيها المؤمن يقظ فطن ولا تغفل .. ولا تنشغل وتكتفي بظاهر من الحياة الدنيا مهما عظم شأنه

وتعلم عمق الفكرة .. وكن رائدا في مجالك توصل الناس من خلاله للمولى جل في علاه

فكل ما تعلمه من هذه الدنيا إنما هو خلق من خلقه سبحانه .. طب كان أو فلك .. تاريخ كان أو أدب .. هندسة كانت أو ملاحة .. حرفة كانت أو تجارة .. تعليم كان أو محاماة

كل ما تعلم إنما هو ظاهر من الحياة الدنيا .. مهما بلغت فيه مبلغا .. (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)

فالعلم الكثير هو العلم الموصل للحق جل وعلا .. (واتقوا الله ويعلمكم الله)

احذر أن يشغلك علمك أو عملك عن الله

احذر أن تستغل علمك أو عملك في انتزاع ما ليس لك بحق

احذر أن تستغل علمك أو عملك في نصرة ظالم وتأييده على مظلوم

احذر أن تستغل علمك أو عملك في قهر أحد وبسط نفوذك عليه

احذر أن تستغل علمك أو عملك في أكل الحرام

احذر أن تستغل علمك أو عملك في استغلال جهل الآخرين بما عندك وليس لهم به علم

احذر أن تستغل علمك أو عملك في تزييف الحقائق وطمسها

احذر أن تستغل علمك أو عملك في تلوية عنق نص أو حق أو تدليس في جناب الله

احذر أن تستغل علمك أو عملك في نشر باطل أو رذيلة أو فتنة .. وما أكثر فتن العالمين والعارفين

احذر أن تستغل علمك أو عملك في إلهاء الناس وشغلها بما لا يعنيها .. اتقوا الله في عوام الناس

احذر أن تستغل علمك أو عملك في التلبيس وأن تقول في كتاب الله بما لا تعلم ظنا من الناس أنك تعلم

احذر أن تستغل علمك أو عملك في جمع الناس على راية باطل أو صرفها عن راية حق

احذر أن تستغل علمك أو عملك في تأليب الناس على بعضهم أو أحدهم بدعوى أنك تنقذهم من براثنه

احذر أن تستغل علمك أو عملك في منكر لا يرضاه الله ورسوله

واحذر ما دون ذلك فهو أشر

احذر أن يصرفك علمك او عملك عن كتاب الله وسنة نبيه

و احذر أن يصرفك علمك او عملك عن دعوة الناس من خلاله إلى الله الواحد الأحد .. فما آتاك الله وأبدعت بفضله سبحانه فيه هو من جميل نعمه عليك لتحدث به ويرى الناس عليك أثر نعمه سبحانه فتكن نبراس خير أمامهم (وأما بنعمة ربك فحدث)

احذر أن يصرفك علمك او عملك عن التفكر من خلالهما في خدمة هذه الدين ونفع الناس (إني جاعل في الأرض خليفة) .. من جنس ما آتاك من علم وعمل

احذر أن يصرفك علمك او عملك الدار الآخرة وأن تعد لها العدة الصالحة

احذر أن يصرفك علمك او عملك عن بصمة تضعها في الأرض فتبقى لك بها ذكرى وأثر صالح .. وبصمة ترسلها للآخرة فتسعد بلقياها ثانية

احذر أن يصرفك علمك او عملك عن زكاتهما .. فلكل علم زكاة ولكل عمل زكاة .. ليست زكاة المال ولكن زكاة العلم والنعمة

احذر أن يصرفك علمك او عملك عن التواضع والخشية بين يدي الله .. (إنما يخشى الله من عباده العلماء)

احذر أن يصرفك علمك او عملك عن التواضع .. فلا تغتر ولا تكن كقارون (قال إنما أوتيته على علم عندي) .. ولا تكن كمن تعلموا من هاروت وماروت (إنما نحن فتنة)

احذر أن يصرفك علمك او عملك عن لذة الدنيا (ذكر الله فيها) .. ولذة النعيم المقيم في الآخرة

احذروا ظاهر الحياة الدنيا وسطحية الأمور والغفلة عن الحقيقة والحكمة من وراء كل ما بين أيديكم من علم أو عمل .. ولا تغفلوا عن آخرتكم

وظاهر الحياة الدنيا محدود صغير، مهما بدا للناس واسعا شاملا، تستغرق جهودُهم بعضَه، ولا يستقصونه في حياتهم المحدودة

والحياة كلها طرف صغير من هذا الوجود الهائل، تحكمه نواميس وسنن مستكنة في كيان هذا الوجود وتركيبه

والذي لا يتصل قلبه بضمير ذلك الوجود، ولا يتصل حسه بالنواميس والسنن التي تصرفه، يظل ينظر وكأنه لا يرى، ويبصر الشكل الظاهر والحركة الدائرة، ولكنه لا يدرك حكمته، ولا يعيش بها ومعها.

وأكثر الناس كذلك، لأن الإيمان الحق هو وحده الذي يصل ظاهر الحياة بأسرار الوجود، وهو الذي يمنح العلم روحه المدرك لأسرار الوجود.

والمؤمنون هذا الإيمان قلة في مجموع الناس .. ومن ثم تظل الأكثرية محجوبة عن المعرفة الحقيقية

۞  يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ۞

احذر النظرة السطحية للأمور .. واحذر أن تكون على هامش الحياة ..



خالص تحياتي لكم
 المستشار الأسري
عمر محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق