الخميس، 9 أبريل 2020

رمضان شهر البينات (تربية بدر)


۞البينة السادسة عشر۞

۩۞۩¤═۞═¤۩۞۩

أخُطُّ هذه الكلمات بمداد قلم في يوم كانت الدماء مداده؛ وتخُطُّ فواصلًه أسنةُ الرماح والسيوفُ

أخُطُّ كلماتي في عشية بدر 17 رمضان.

بدر التربية .. بدر التغيير .. بدر القوة .. بدر الفرقان .. بدر منطق الحق ..

۞ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ۞

بلى وربي كان حق .. بلى وربي كان خروج ..

خروج من الضعف إلى القوة .. من الذل إلى العزة .. من القلة إلى الدولة .. من فئة مستضعفة إلى جيش الفرقان ..

كان خروج من عهد الداخل وآلامه .. إلى نور الخارج وانتشاره ..

قف وتفكر ..

لو بقي الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن معه من المسلمين في مكة لبقيت الحال كما هي، ولكن القرار كان أعظم، فلقد هاجروا؛ وأسسوا قواعد الدولة وأركان الجيش، ومن ثم التقت سيوفهم بسيوف المشركين في بدر، وكانت اللغة بينهم يومها هي لغة السلاح؛ ومنطقهم منطق القوة ..

قف وتفكر ..

لو بقي المسلمون في مكة يتحملون الآلام في جلد وصبر؛ وعزائهم في ذلك صبر آل ياسر "فإن موعدكم الجنة" .. لو بقى المسلمون على تلك الحالة لماتت الفكرة .. فكرة عمارة الأرض .. ولضاعت في حينها فرائض الحق ..

قف وتفكر ..

لو لم يتحول هذا الجمع القليل المستضعف إلى جيش الفرقان ..
 لما دخل العباس وأبو سفيان في الإسلام؛ 
ولما صار هناك سيف الله المسلول "خالد بن الوليد"؛ 
ولما عاد المثنى لرشده وما انتصر على الفرس في "البويب" ولظل أسير الخوف منهم.

لولا أن هذا الجيش .. جيش الفرقان .. كشّر عن أنيابه في بدر .. لبقي القليل قليل .. "وإن الله ليزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن"

نعم .. لمّا صار الضعيفُ قوياً؛ وتحول لجيش .. غيّر مفاهيم أهل الباطل وبدّل قناعتهم .. فقط لما أظهروا منطق القوة .. كان الفرقان ..

لقد كانت بدر أولى المعارك الكبرى في الإسلام .. وفيها من الدروس ما يعجز القلم عن سردها هنا .. ولكن نحتاج هنا أن نخط خطوطاً عريضة في بدر.

فلقد خاضها الصحابة وكانوا فيها وقبلها عبارة عن رجال لهم قوالبهم وميزانهم .. غير أن القالب اختلف والميزان قد ازداد.

فبعد بدر أنزل الله آيات تذكرهم بأحوالهم .. وخاطبهم عن أحوالهم يوم بدر ..

فقال لهم عن اختلافهم وخوفهم ۞ يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ۞

عن ضعفهم ۞ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ۞

عن تأمينهم ساعة خوفهم ۞ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ۞

عن إمدادهم بالملائكة لتثبتهم ۞ فثبتوا الذين آمنوا ۞

عن حقيقة القتال وأنه هو سبحانه من نصرهم ۞ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ۞

كل ذلك وغيره كثير عرضه الله عليهم في يوم بدر، وذكرهم به بعد بدر .. لا لشيء إلا لأمر واحد ..

التربية  

.. لقد أراد الله لهذه الفئة الأولى من المجاهدين في هذا الحدث في ذلك اليوم صناعة جديدة.

لذلك كانت المعركة بها عوامل مساعدة .. والتقييم بعد المعركة فيه تذكير بالعوامل .. حتى لا يأتي أحدهم ويقول أنا صنعت .. أنا قاتلت .. أنا شجاع .. أنا انتصرت .. لا ..

لقد ذكرهم بخوفهم وبضعفهم وبقوته وحده ومساعدتهم حتى ترتبط أسباب النصر به وحده .. وهم مجرد أدوات للقدرة .. إن أحسنوا العلاقة به نصرهم .. وإن تنازلوا عن شرف الاتصال تركهم لشأنهم.

وتعلم الأصحاب هذا الدرس العظيم .. درس التواضع والتعلق بصاحب القدرة ..
درس كيف تكون النصرة.

وتمر الأيام وتأتي أحداث أخرى .. لتختبر هؤلاء .. وكيف تمت صناعتهم.

جائت سرية مؤتة
 وخرج المسلمون دون أن يكون معهم النبي .. والوضع من أشد ما يكون .. المسلمون ثلاثة آلاف رجل .. والأعداء مائتي ألف رجل .. لا نسبة بينهم تذكر .. فالأعداء 66 ضعف بالنسبة للمسلمين.

واستشهد كما نعلم قادة الجيش المسلم وحملة الراية الثلاثة 
سيدنا زيد بن حارثة
وجعفر بن أبي طالب
وعبد الله بن رواحة
وتعقد الموقف أكثر .. حيث أخذ الأعداء يمثلون بجثث أحد الشهداء القادة الثلاثة نكاية في المسلمين .. وإمعاناً في إضعاف عزيمتهم.

وبدأ الجيش يهتز .. وخرج من بين الصفوف رجلان من بدر .. ممن صنعتهم أحداث بدر وربتهم آيات بدر.

خرج رجل لا يعرفه كثير من المسلمين اليوم .. اسمه سيدنا (أبو اليسر)، كان من أصحاب بدر .. وله فيها حال عجيب .. فلقد كان رجل قصير القامة ولكن عزمه عزم الأسود .. وأراد أن يأسر أحد رؤوس الكفر في يوم بدر .. فوضع عينه على العباس .. ولم يرض بقتله فهو عم النبي .. وكان العباس رجل شديد وأبو اليسر رجل قصير القامة كما ذكرنا لكن عزمه أشد من قوة العباس .. ومكنه الله من أسر العباس .. ولما ذهب به لرسول الله (صلى الله عليه وسلم
قال له النبي " أعانك عليه ملك كريم "

نعم .. هذا هو أبو اليسر الذي تربى في مدرسة بدر .. مدرسة المعية الربانية .. لا تضره الأحداث .. بل هو من يصنعها إن شاء واستعان بالله.

قرر أبو اليسر قراره .. وكأنه يستدعي ذاك الملك الذي أعانه يوم بدر .. وعزم على أن يخوض بين سيوف الأعداء .. فرمى بنفسه تحت ظلال السيوف التي باتت تمثل بجثث القادة .. كان همه قد اجتمع في أمر واحد 

 راية المسلمين .. وفعلها .. أخذ الراية واستطاع أن يرفعها ثانية.

لكنه لم يستأثر بها لنفسه .. لقد تربى على أن يقف على حقيقة ذاته كما فعل الله به يوم بدر .. فعزم أمره .. وذهب بالراية إلى بدري أخر .. 
إنه سيدنا (ثابت بن أقرم) 
وقال له .. يا ثابت هذه راية المسلمين .. فقد كان ثابت بن أقرم أقدر على جمع الناس من أبي اليسر .. ولهذا أعطاه الراية في تواضع جم

وأخذها ثابت بن أقرم ذلك البدري .. وركز الراية على الأرض وصرخ في المسلمين وقال (إليّ أيها الناس) فاجتمع إليه الناس حتى كثروا .. وكان الناس من خوفهم لا يُرى منهم رجلين معاً .. ولكن بفضل الله جمعهم ثابت بن أقرم.

ومن بعيد رأى رجلا من المسلمين يرعد من الخوف فذهب إليه فإذا هو (أبو هريرة) .. نظر إليه وقال (يا أبا هريرة لعلك ترى جموعاً كثيرة .. قال نعم .. قال يا أبا هريرة إنك لم تشهد معنا بدرا .. إننا لم ننصر بالكثرة) ..

يا الله .. ما هذا الثبات العظيم .. الناس وكبار الصحابة يرعدون خوفاً وهذا البدري يؤمنهم ويثبتهم.

ثم ذهب ثابت بن أقرم بالراية إلى خالد بن الوليد .. ولم يكن خالد قد مضى على إسلامه سوى أربعة أشهر فقط .. وصرخ فيه وهو يعطيه الراية ويقول (خذها يا خالد) .. عجيب أمرك يا ثابت .. أنت ممن شهدوا بدراً وأنت من جاءتك الراية .. ثم تعطيها بهذه السهولة لرجل حديث عهد بالإسلام .. نعم.

هكذا تربى في بدر .. وتعلم أن صاحب الحق مطاع .. فلقد رأى رسول الله يسمع لكلام رجل يراجعه في شأن الوقوف خلف الآبار .. ورضي النبي بقوله فلقد كان الصواب حليفه ..

وحينها قال لخالد (خذها يا خالد أنت لها) .. وهو يدري بقدرة خالد العسكرية .. وخالد يقول له بل أنت أحق بها مني .. أنت ممن شهدوا بدراً .. حتى تعالت أصوات الجيش المسلم .. خذها يا خالد .. خذها يا خالد .. وأخذها خالد وحقق معادلة النصر.

ولكن من صنع هذا النصر من بدايته ..
أوليس هذين الرجلين البدريين (أبو اليسر وثابت بن أقرم) 
الذان تربا في حدث بدر وصنعت منهم بدر رجالا يحققون المعادلة الصعبة في كل زمن.

هكذا تصنع الأحداث رجالاً .. وهكذا تستفيد الرجال من الأحداث.

وهذا هو الفرقان

الفرقان الذي قضى على آلام الداخل وآلام الماضي.

الفرقان الذي قضى على آلام الفرقة وآلام الظلمة.

الفرقان الذي بدد سراب الضعف وقضى على براثن الخوف.

قف وتفكر..

أوليست تلك آلامك؟ .. الداخل !! .. أوليس يؤلمك داخلك؟

أوليس يؤلمك الماضي وآثامه؟

أوليست نار الفرقة تحرق فؤادك؟

أوليست ظلمة المعصية قد اشتد ليلها؟

أوليس ضعف النفس قد بات يؤرقك؟ وخوفٌ على المستقبل أضحى يعذبك؟

قف الآن .. قف حقيقة .. قف من مجلسك .. لا تسترسل في قراءتك.

قف حقيقة وسل نفسك ..

أولست على الحق؟

أوليس منطقك منطق القوة؟

أوليس كتاب الله حاضرك؟

أولستَ علياً وخالداً وأحمداً؟

أولستِ فاطمة وعائشة وخديجة؟

حتى متى والداخل يؤلمك؟ وذنوب ومعاصي تؤرقك؟

حتى متى وضعف وخوف يغلبك؟

أفق يا صاح .. إنك وريث بدر .. وفرقان بدر.

من ورث الفرقان سواك؟ ومن وريث بدر إلاك؟

بدر منطقها منطق القوة .. وأنت بالقوي سبحانه قوي.

لتكن نهضتك .. ولتكن هبتك وعزيمتك .. لتكن فرقاناً جديدة أنت بطلها.

أنت أنت .. الله الله فيك أنت.




خالص تحياتي لكم
  المستشار الأسري
عمر محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق